منوعات تعليميةسلايدر

فاطمة الزهراء بناني تكتب: للرجال فقط

الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا من يوم سبت، والزوجة تستعد للخروج للعمل، مودعة زوجها الذي ظل في الفراش ألن-اليوم يوم راحته.

فتحت الباب وخرجت، ثم شغلت محرك السيارة.. وما هي إلا لحظات حتى غادرت المكان لم تسر بها السيارة اال بعض مترات، حاذت الرصيف وتوقفت هناك وتركتها مكانها ونزلت بسرعة. وذهنها مشوش… ووجهها شاحب وعيناها ورمتان توشيان بعدم النوم…وحثت الخطى عائدة إلى المنزل..لعلها نسيت أمرا أكيدا؟.لكن حركاتها تنمان على خلطة من األحاسيس بين نار الخوف وبعض أمل.

خوف من أن ما حرم النوم على جفونها حقيقة..وأمل من أن ماأطال س هادها البارحة مجرد شك… نعم شك ال يقين..ليته مجرد هواجس ال صحة لها…رددتها مرات وهي تنزع حذاءها مرتعشة رغم الحذر.ثم تسللت على أطراف أصابعها ودقات قلبها تكاد تفضح ما فعلت..وولجت من باب المطبخ الذي تعمدت تركه مفتوحا قبل المغادرة،ودخلت قاعة الجلوس ملتصقة بجدار غرفة نومها مرهفة السمع،رغم طبول الحرب التي تطرق دفتي قلبها تكاد تخلعهما…وبصعوبة حاولت السيطرة على نفسها فوصلها صوته وردة أيامي،وبشرى أحالمي…ال ال ال لقد غارت في ألف داهية.ليتك كنت بين أحضاني أشتم عطرك الرائع – :مزهوا، متغزال :انتيا عمري…أنت ال تعلمي ما أعانيه.فرائحتها تفوح بصال وثوما وكمونا ههههه….طبعا ال وجه للمقارنة..ما أبعد عطرك على الزعتر والكراث ورائحة الحرمل هههههه..

انتابها دوار..وكادت تسقط أرضا..ثورة الشك التي قاومتها أياما وليالي وكذبت فيه ظنها باتت حقيقة عارية ال ريب فيها ويقينا صارخا مرا أليما .

سقوط أول سارية من سواري البيت

استنجدت بالجدار تسترد بعضا من أنفاسها التي كادت تتقطع،وخرجت من صدرها الجريح شبه كلمات:الملعون يخدعني كل هذه المدة..إنها النهاية…رحماك يا سعادتي الخادعة.. اليوم سقطت أول سارية من سواري هذا البيت الذي ظننته موطنا ألمنياتي..رباه. لقد ضاعت كل األحالم وتبخرت مع عطر عشيقته اللعينة….الخائن بعثر أجمل التفاصيل في حياتي..وسرع آخر أنفاس حبنا بيد خائنة

عابثة….الحقير..كيف سأقدر على لمسه؟..على محادثته ؟ كيف أحضنه وحضنه أصبح نجسا قد لوثته أنفاس أنثى عابثة…ضاع الصدق في قذارة فعلته.. وقضى على كل أثر جميل..ونثر القبح في ربوع هذا البيت الذي ظننته رائعا…لمن أهمس حبيبي بعد اليوم؟لمن ألبس الحرير..وأرش العطر؟…لمن أهب انتظاري ؟ .

لملمي سوسن شظاياك . وتماسكي. ثم انتفضي من جديد كعنقاء خرجت من تحت ركام الرماد…لتحلق من جديد…اخرجي من تحت الحطام امرأة جبارة …ال تنسي أبدا أنك حواء التي لم يصمد أمامها آ دم وانزلته من الجنة أرضا مقابل إرضائها..غيري كل المعادالت..أعيدي خلط األوراق ..فاللعبة ال بد من تغيير قوانينها الرتيبة…

لم تقصد عملها بل هربت للبحر تستعير من موجه العتاوة والشراسة…وهبت عليها نسمات باردة زادت ملوحتها في تعميق الجرح النازف..المفتوح…لم تتألم..بل تلذذت وجعها فما عاد للوجع ألم بعد ما حدث..لم تعلم كم لبثت ..ألنها كانت منشغلة بترتيب أفكارها .

سحابة سبقت العاصفة

غادرت البحر وعادت تجر أذيال الخيبة وقد غاب ذهنها عن العالم فال عاد العالم يسع وجعها..وال عاد الزمن يشدها إلى الواقع..وال الواقع يربطها بالحياة..فأي معنى للحياة ؟وهي تقف على أطالل حب عصف بطهره عابث ال مسؤول…عادت امرأة تفوح من أنفاسها رائحة اإلنتقام.. والغيض الدفين…وكأنما هي سحابة غامضة سبقت العاصفة..

أدارت المفتاح. وفتحت الباب..وخطاها تحمل جثة أنفاسها أنات.. باردة..يابسة.. تخرج من قلب نازف..وعقل مصدوم..

عادت ولم تهتم بهذا الوغد الذي اعترضها وصابون الحالقة يكسو ذقنه.فانتبه لمقدمها وقال بتساؤل:”

مابك؟هل أنت مريضة؟عزيزتي هات يدك لمساعدتك”.

الأعفي الغادرة

لم تجبه ودفعت يده الممدودة إليها باشمئزاز..واقتربت بفتور واضح من أول أريكة..وتركت جسمها يسقط ..وذهنها غائب عن

الوجود. غير مبالية بهذا الخادع الذي قتلها بأسئلته المطلية بالنفاق والبهتان.. فأغمضت عينيها..حتى يكف عن الكالم الذي يذبحها..فالهي قادرة على سماع صوته الكاذب..والعلى رؤيته يتلوى كأفعى غادرة..وال على استنشاق رائحة الخيانة الخانقة تفوح من كل قطعة من جسمه..الذي ما عاد لها من اليوم…هو مجرد جيفة تتراقص عليها الغانيات الرخيصات.

 

أغمضت عينيها…وشغلت شريط حياتها، تتصفحه لحظة بلحظة ،بين نار الغبن، ولهيب الغيض.وجحيم الذكريات الكاذبة…التي كم بدت لها تافهة .لم تكن تستحق منها كل ما بذلته من عطاء مجاني المعنى له. وفي داخلها هاتف يهتف إلى هذا الحد كنت غبية..؟

نظر إليها، ظانا أنها نامت..وجذب الباب خلفه بهدوء وتركها في أتون الماضي تصطلي بحقيقة حاضرها التي ذبحتها من الوريد إلى الوريد.

فكانت كجريح الجلوس أراحها..والوقوف هدأ من روعها، والمشي بث فيها الطمأنينة…والتفكير أخرجها من هذه الورطة…حتى الدموع شمتت فيها فما انهمرت لعلها تغسل بعضا من حزنها العميق…

ثورة الشك

انعطفت على الراديو تفتحه فإذا أم كلثوم تغني “الحب كلو…” عاجلت بأسكات صوتها وهي تصيح: عفوا سيدة الكل،كاذبة أنت،عن أي حب تتغنين؟أنت أيضا خدعتني بكلماتك ،وزينت لي الدروب…فبنت أحالما عريضات ومشيت في طريق ظننته مقمر.

وها أنا أقف على األطالل بعد ثورة الشك التي أيقظتني من غفلتي على هذا الكابوس الذي اقض مضجعي واستعبدني……

وهذه الصور..صورنا..عيد ميالدي..خطبتنا.. زفافنا…أوهام..أوهام كاذبة…خدعة هائلة..مات الحب…فسجوه..وهاتوا الكفن..والنعش

وجهزوه للدفن.. قبل أن تفوح روائح

العفن…أكرموه .واقبروا معه قلبي المخدوع فإكرام القلوب الجريحة دفنها..وقدموا لي التعازي..تعازي عشرين سنة أضعتها بين الطاعة وال خنوع.. أمسح وأكنس.وأنظف وأدلل وأطعم ثعبانا خائنا ينهش لحمي..ويطفح

خبزي..ويمتص دمي ويكفر بحبي.. ويتندر بي بين العشيقات.. ويسخر من صدقي…أعلنها لنفسي…اليوم طلقت الفرحة مع

حبه..وأضرمت حريقا في أحشائي ال يطفئه إال اإلنتقام..

جهزت مائدة الطعام ونادته باسمه…ألول مرة تناديه محمودا..

جلس بصمت وهو يردد في سره :محمود؟..أين يا عمري…يا حبي..يا روحي؟ اه!أتكون شكت في األمر؟

أجابته عيونها التي تسترق النظر إلى مالمح وجهه المضطربة ويداها تجذبان الكرسي المقابل بدل الكرسي المحاذي لكرسيه.

حوار الروح

 

-ليس شكا بل هو اليقين بأم عينه.

رد:األمر ال ينبئ بخير ففي عينيها كالم ال تصرح به شفتاها

-بل في قلبي نار. وبارود…

-أيام وتهدأ.انا أعرفها جيدا..قد تكون ضغوطات العمل.

-انت مخطئ هذه المرة..أيام وأهد هذا البيت على راسك.

قالت بهدوء فيه نوع من االستفزاز:

-كل يا محمود. أراك اليوم مشتت الفكر.مالك؟.

رد بصوت خافت :

-بل انت غير عادية اليوم.

قالت:

قاطعها بشرود-

كان كابوسا قاتال حول دماغي إلى بركان.

-عن أي كابوس تتكلمين؟

ردت:

-صداع البارحة، كاد رأسي ينفجر من األلم.وخاصم النوم جفوني..أه لو جربته..إنه مرير..مرير..

قاطعها مستغربا سلوكها اليوم.

-الحمد هلل أنه مر بسالم..ال بد أن ترتاحي.

عادت تحدث نفسها من جديد:

-أنت مخطئ. إنه السكون الذي يسبق العاصفة.وحق دموعي..وحق كبريائي. وحق النار التي تلتهم أحشائي ستحتسي من

نفس الكأس.

تكاد دموعها تفضحها لكنها تسيطر عليها وتكبح جماح انهمارها…وتهدأ..فتبعث الطمأنينة فيه.. فيهمس لنفسه من جديد

-الحمد هلل!كم كنت واهما…زوجتي حمل وديع .كيف تفطن وهي تستثيقني..ولن يخطر ببالها شيء..حمدا هلل.

-قضمت التفاحة بشراهة وحدثته عيونها

-قل ما لذ لك.حمل وديع..أرنب غبي…العبرة يا عبقري بالنتيجة.

اوت إلى فراشها..وزوجها يستعد للخروج للعمل قائال:

تمتعي بأسبوع إجازة.استردي فيه عافيتك..فأنت مرهقة من كثرة العمل ..والروتين القاتل.

ودعها وغادر البيت.

شغل محرك السيارة…راقبته من النافذة…أسرعت إلى األبواب توصدها.عادت إلى الفراش ..رفعت الوسادة.اخرجت

وريقة صغيرة..تأملتها ونقلت منها رقما ودخلت في مكالمة مطولة ..محتواها رموز وشفرات كانما هي تعمل في

المخابرات.وطالت المكالمة..تبتسم تارة وترسم تكشيرة أخرى وأحيانا تتظاهرباالستغراب…. وكان نصف المكالمة مجامالة مصطنعة.. وقهقهات مزيفة…تنهي المكالمة قائلة …كل خطوة ال بد أن تكون مدروسة… إلى اللقاء مساء.

تتنفس الصعداء..أيها اللعين سترى..سترى.

 

الأبواب المغلقة

الساعة السابعة مساء. تسللت إلى الطابق الرابع..وجدت باب الشقة مفتوحا…دخلت تتلفت يمنة ويسرة… كل الأبواب مغلقة..والمدرج خال..والمص عد متوقف..والصمت يسود المكان..أغلقت الباب وراءها…. استعملت الهاتف بعض الوقت… رن من جديد..فأسرعت تغادر الشقة بعد أن وصلتها إرسالية قصيرة قرأتها بسرعة وأسرعت نحو المصعد بخطى حديثة..

تلتفت قبل أن تصعد..ترى زوجها يخرج مستاء..ينظر لها ..ويسرع نحوها..ينفتح المصعد تركبه…يجري خلفها…لكنا لمصعد ينزل.. تغادر..تركب سيارة كانت في انتظارها .تلقي نظرة على سيارة زوجها بهزء…فقد عطبت اإلطارات بأن

أفرغتها من الهواء قبل أن تصعد إلى الشقة المجاورة التي يلتقي فيها عشيقته…نزعت الشعر المستعار..والكعب العالي

وتركتها لدى صديقتها.قائلة أسرعي ..أسرعي…أرجوك .ال بد أن أعود بسرعة..

أدارت المفتاح في قفل الباب ..وولجت بيتها.. علقت المعطف األبيض مكانه..

ألتفت باحثا بين وجوه المارة والراكبين عن معطف أبيض ..

غسلت وجهها..وارتدت مالبس النوم واندست في الفراش. وقد بدأت دقات قلبها تهدأ شيئا فشيئا..

أدار المفتاح في قفل الباب..تفطنت إليه فتظاهرت بالنوم..

تسلل إلى غرفة النوم.. فتح الدوالب.. المعطف األبيض مكانه..وهي تنام كما تركتها. والكتاب الذي تعودت على قراءته كل ليلة مفتوح أرضا..رباه ..الشك يعصر قلبي..ويقتلني… يطوح بي ..أنها هي ….رأسي سينفجر… هي ..ال…المعطف نفسه..الكعب العالي ال أعرفه..لون الشعر ليس بلون شعرها..لكن المشية مشيتها والخطوات .وحركات اليدين ..وااللتفاتة..

كلها تشير أنها هي ..هي بعينيها..سأسألها.. وكيف أسألها..وماذا سأقول لها ..أكنت في شقة صديقي؟ هل يخدعني ويطعنني من الخلف.؟ال ال هراء سوسن ال تفعلها ..أنا أعرفها..إنها هي..بل تشبهها لعلها عشيقة الملعون خالد؟ …لم يخبرني

بذلك… ال بد أن أبحث عن الكعب العالي والشعر المستعار..مؤكد أنها خبأتها في أحدى الغرف ..والنظارات….أين

هي؟..يركض كالمعتوه.

يعودإلى غرفة النوم…تتثاءب وتتمطى..وتقول له …يبدو أنني نمت كثيرا..كم الساعة؟ لما لم توقظني؟مالك حبيبي؟أراك

شاردا منزعجا…

رد تائها:ال.ال ال .أعاني صداعا حادا ألم بي منذ ساعة…

أجابت :

-أنا عكسك.لقد نمت ملء جفوني.

عاوده الشك من جديد.

-هل تهزأ مني؟إذا فعلتها اللئيمة وقتلتني بدم بارد.

وبحاسة حواء السادسة.قرأت ما يدور في رأسه.فقالت:

-هل أعطيك حبة مسكنة مثل التي أخذتها قبل النوم. .وأ خرجت من الدرج علبة دواء ناولته إياها ..فنظر لها قليال ..ثم

أخذها.

هدأ باله بعض الشيء

-أتكون صادقة؟ لقد تركتها في حالة صعبة.لكن خيالها وهي تركب المصعد لن يفارقني طول العمر.

قالت في نفسها.

-سيظل لعنة تقتفي أثرك .وتفسد عيشك مثلما نغصت حياتي.

تثاءبت ،وتمطت بدالل وقامت بغنج نحوه تخاطبه؟

-مالك حبيبي؟أال ترى أنك مقصر في حقي؟تعال آلى حضني.

مشى إليها مشية الحائر المهموم وهو يهمس كيف أهرب منك إليك؟

مدت يدها إلى زر آلة التسجيل متظاهرة بالبحث عن أغنية رومنسية فإذا بالعندليب يصدح بألم :

-ال تكذبي إني رأيتكما معا… أسرعت تغير القرص الليزري وهي تقول :

-ما هذا النكد؟

أحجم بجفاء فجذبته إليها.وفي فؤادها كالم ال يسع الكون وشماتة كبرى.

جمع شتات قلبه وتشجع وقال :

-هل أنت،،؟

فردت :

-وهل أنت….؟

ثم أطلقت العنان لضحكة ظاهرها حب وباطنها شعور بالنصر الانتقام.

انتهت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock